في ليلة عاصفة

بقريةٍ نائية من قرى جبال "الألب الفرنسيّة" العام 1935

   لم تطرق أذنيّ حتّى هذه الساعة أصوات كأصوات رياح راسيات الألب الشاهقة، فقد أقلقت راحتي بهياجها وثورتها العاتية منذ ثلاثة أيّام متوالية، فتارة تسمعني أنينًا كأنين المحتضر ينقبض منه الفؤاد، وطورًا جمجمة كجمجمة المنتقم، الذي يرى عدوًّا له لا يستطيع الوصول إليه، فكأنّها معلنة حربًا شعواء على الجبال المكلّلة بالحلل الناصعة البياض وعلى الأشجار وعلى البشر القاطنين تلك القرى النادرة، إنّما الجبال السامقة الجبّارة تهزأ من تهديدها وغضبها. وأمّا عالم النبات فيها فخاضع مستسلم لها بلينة المنقذ، والإنسان المستحدث من تراب يصرّ أسنانه غاضبًا، إنّما غضبه لا يجديه نفعًا ولا سلطان له عليها فيقبع في البيوت أمام المداخن مستعينًا بنار الحطب المستعرة...

   فمن أين أتيتِ أيّتها الريح الغاضبة العاصفة الهوجاء، ومن أين جنّدت جيشك اللّجب المهدّد للكائنات الحيّة الضعيفة، ولماذا تشنّين حربك على الطبيعة من دون تمييز بين الصالح من مخلوقاتها والطالح؟!

   ألا يسعك أن تنظّمي صفوفك، وتتطوّعي في خدمة سلامها وسلامهم، وتعلني حربك الشعواء فقط على المسيئين منهم صنّاع الشرّ والمستبدّين وقادة الجيوش البشريّة إلى ساح المذابح لإرواء ظمأ مطامعهم وشهواتهم...

   إن فعلتِ ذلك يعبدك محبّو السلام ويتّخذوك إلهًا ويشيدوا لك تمثالًا في باحة جامعة الأمم في مدينة جنيف المجاورة لمكامن سطوتك وسلطانك!                   

                               ترجمة يوسف س. نويهض